وهذا الوجه يصلح جوابا عن بقية الاحتمالات المفروضة. (36) وإذا عرفت أن المعجز هو الطريق إلى العلم بصدق مدعي النبوة، فالمعجز إن كانت مشاهدة (37) فلا بحث، وإلا كان الطريق إلى العلم بها النقل المتواتر لا غير. فلنذكر حقيقة التواتر والشرائط المعتبرة في إثماره العلم، فنقول:
الخبر هو ما يحتمل التصديق والتكذيب، ثم هو إما أن ينقله قوم لا يجوز عليهم التواطؤ والمرسلة في افتعاله، وهو المسمى بالتواتر في الاصطلاح، وأما بخلاف ذلك وهو خبر الواحد. والقسم الثاني لا يمكن إثبات الأمور العلمية به، لأنه يفيد الظن، فلا يكون مادة للبرهان اليقيني.
وأما الأول فإنه يصح [أن] تثبت به العقائد العلمية لكن بشروط ثلاثة:
أحدها: أن يكون ما تضمنه النقل محسوسا كما إذا أخبر الجماعة الذين لا يجوز عليهم التواطؤ ولا الكذب بما سمعوه أو شاهدوه أو أدركوه ببعض حواسهم، فإنه يحصل العلم اليقيني بخبرهم، ولا كذلك إذا أخبروا بشئ من عقائدهم، فإن اليهود، مثلا وإن أخبروا بما يعتقدونه مع بلوغهم حد