فإن قيل: لا نسلم لزوم أحد القسمين لأنه يمكننا فرض ثالث، إذ يمكن أن يكون فعل المعجز مشتملا على مصلحة خفية عند دعوى المدعي غير التصديق، فيفعل المعجز تحصيلا لتلك المصلحة، ثم لا يلزم العبث ولا الإيهام، لأن العقل يشهد بالاحتمال. سلمنا ذلك لكن متى يدل على التصديق إذا كان من فعل الله أو من فعل غيره؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، لكن الاحتمال قائم، إذ يجوز أن يكون فعال بعض مردة الجن، فلا يكون دالا على التصديق، كما أنه لو ادعى إنسان الوكالة عن غيره، وقال: إنه يرفع عمامته في ملأ، فإن بتقدير أن يرفعها غيره لا يكون ذلك دلالة. ثم ومن المحتمل أن يكون فاعل ذلك المعجز هو المدعي، إما لاختصاصه بنفس قابلة لما لا يقبله غيرها من الإفاضات العقلية، فيكون لها من قوة التأثير في هذا العالم ما ليس لغيرها، وإما لاطلاعها في خواص العقاقير على ما يتيسر معه فعل ذلك الأمر، أو لاحتمال أن يطلع من العزائم وحيل السحر على ما يوصل إلى ذلك، ومع احتمال ذلك، لا يبقى وثوق بأنه تعالى أراد التصديق. (34) الجواب قوله: " لا نسلم الحصر " قلنا: قد بينا ذلك.
قوله: " يحتمل أن يكون المعجز فعلا لمصلحة خفية اتفقت عند دعوى النبوة " قلنا: المحذور لازم، لأنا نتكلم على تقدير عدم العلم بتلك المصلحة وفقد الدلالة عليها، فلو فعل لها والحال هذه للزم الإيهام.
قوله: " العقل يشهد باحتمال ذلك فينتفي الإيهام " قلنا: الاحتمال