الفن وبسطت أياديه، واشتهر في المدارس اشتهار أبي دلف بين محتضره وباديه، وخف على المدرسين أمره إذ تناولوه، وقرب عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه.
و لما كان إبرازه في غاية الإيجاز، وإيجازه عن حد الإعجاز، تصدى لكشف غوامضه ودقائقه رجال من أهل العلم، شكر الله سعيهم، وأدام نفعهم، فمنهم من اقتصر على شرح خطبته التي ضربت بها الأمثال، وتداولها القبول أهل الكمال، كالمحب ابن الشحنة، والقاضي أبي الروح عيسى بن عبد الرحيم الكجراتي، والعلامة ميرزا علي الشيرازي، ومنهم من تقيد بسائر الكتاب، وغرد على أفنانه طائره المستطاب، كالنور علي بن غانم المقدسي، والعلامة سعدي أفندي، وشيخ أبي محمد عبد الرؤوف المناوي، وسماه " القول المأنوس " وصل فيه إلى حرف السين المهملة، وأحيا رفات دارس رسومه المهملة، كما أخبرني بعض شيوخ الأوان، وكم وجهت إليه رائد الطلب، ولم أقف عليه إلى الآن، والسيد العلامة فخر الإسلام عبد الله، ابن الإمام شرف الدين الحسني ملك اليمن، شارح " نظام الغريب " المتوفى بحصن ثلا، سنة 973، وسماه " كسر الناموس ". والبدر محمد بن يحيى القرافي، وسماه " بهجة النفوس، في المحاكمة بين الصحاح والقاموس " جمعها من خطوط عبد الباسط البلقيني وسعدي أفندي والإمام اللغوي أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الفيلالي، المتشرف بخلعة الحياة حينئذ، شرحه شرحا حسنا، رقى به بين المحققين المقام الأسنى، وقد حدثنا عنه بعض شيوخنا.
و من أجمع ما كتب عليه مما سمعت ورأيت شرح شيخنا الإمام اللغوي أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد الفاسي، المتولد بفاس سنة 1110 والمتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170، وهو عمدتي في هذا الفن، والمقلد جيدي العاطل بحلى تقريره المستحسن، وشرحه هذا عندي في مجلدين ضخمين.
و منهم كالمستدرك لما فات، والمعترض عليه بالتعرض لما ليأت، كالسيد العلامة علي بن محمد معصوم الحسيني الفارسي، والسيد العلامة محمد بن رسول البرزنجي، وسماه " رجل الطاووس " والشيخ المناوي في مجلد لطيف، والإمام اللغوي عبد الله بن المهدي بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي الحميري، الملقب بالبحر، من علماء اليمن، المتوفى بالظهرين من بلاد حجة سنة 1061، استدرك عليه وعلى الجوهري في مجلد، وأتهم صيته وأنجد، وقد أدركه بعض شيوخ مشايخنا، واقتبس من ضوء مشكاته السنا، والعلامة ملا علي بن سلطان الهروي وسماه " الناموس "، وقد تكفل شيخنا بالرد عليه، في الغالب، كما سنوضحه في أثناء تحرير المطالب، ولشيخ مشايخنا الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي عليه كتابة حسنة، وكذا الشيخ ابن حجر المكي له في التحفة العناية محاورات معه ومطارحات، ينقل عنها شيخنا كثيرا في المناقشات، وبلغني أن البرهان إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة 900 قد لخص القاموس في جزء لطيف.
و آيم الله إنه لمدحضة الأرجل، ومخبرة الرجال، به يتخلص الخبيث من الإبريز، ويمتاز الناكصون عن ذوي التبريز.
فلما آنست من تناهي فاقة الأفاضل إلى استكشاف غوامضه، والغوص على مشكلاته، ولا سيما من انتدب منهم لتدريس علم غريب الحديث، وإقراء الكتب الكبار من قوانين العربية في القديم والحديث، فناط به الرغبة كل طالب، وعشا ضوء ناره كل مقتبس، ووجه إليه النجعة كل رائد، وكم يتلقاك في هذا العصر الذي قرع فيه فناء الأدب، وصفر إناؤه، اللهم إلا عن صرمة لا يسئر منها القابض، وصبابة لا تفضل عن المتبرض من دهماء المنتحلين بما لم يحسنوه، المتشبعين بما لم يملكوه، من لو رجعت إليه في كشف إبهام معضلة لفتل أصابعه شزرا، ولاحمرت ديباجتاه تشررا، أو توقح فأساء جابة، فافتضح وتكشف عواره، قرعت ظنبوب اجتهادي، واستسعيت يعبوب اعتنائي، في وضع شرح عليه، ممزوج العبارة، جامع لمواده بالتصريح في بعض وفي البعض بالإشارة، واف ببيان ما اختلف من نسخه، والتصويب لما صح منها من صحيح الأصول، حاو للذكر نكته ونوادره، والكشف عن