رحمة للعالمين.
فلما سمع كلامه معاوية غاظه منطقه وأراد أن يقطع عليه فقال يا حسن عليك بصفة الرطب.
فقال الحسن: الريح تلقحه والحر ينضجه؛ والليل يبرده؛ ويطيبه على رغم أنفك يا معاوية؛ ثم أقبل على كلامه فقال:
أنا ابن المستجاب للدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع؛ أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب؛ ويقرع باب الجنة؛ أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبي قبله؛ أنا ابن من نصر على الأحزاب؛ أنا ابن من ذل له قريش رغما.
فقال معاوية: أما أنك تحدث نفسك بالخلافة ولست هناك.
فقال الحسن: أما الخلافة فلمن عمل بكتاب الله وسنة نبيه ليست الخلافة لمن خالف كتاب الله وعطل السنة؛ إنما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكا فتمتع به وكأنه انقطع عنه وبقيت تبعاته عليه.
فقال معاوية ما في قريش رجل إلا ولنا عنده نعم جزيلة؛ ويد جميلة؛ قال:
بلى من تعززت به بعد الذلة وتكثرت به بعد القلة؛ فقال معاوية: من أولئك يا حسن؟ قال: من يلهيك عن معرفته. ثم قال الحسن: أنا ابن من ساد قريش شابا وكهلا؛ أنا ابن من ساد الورى كرما ونبلا؛ أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق؛ والفرع الباسق والفضل السابق؛ أنا ابن من رضاه رضى الله وسخطه سخطه؛ فهل لك أن تساميه يا معاوية؟ فقال أقول لا تصديقا لقولك.
فقال له الحسن: الحق أبلج؛ والباطل لجلج؛ ولم يندم من ركب الحق؛ وقد خاب من ركب الباطل (والحق يعرفه ذوو الألباب).