فأما الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل، فإنها على غير ما توهموه أيضا من البداء في الإمامة، وإنما معناها ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن الله تعالى كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين، فسألته فيه فعفا عن ذلك، فما بدا له في شيء كما بدا له في إسماعيل، يعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله (عليه السلام).
وأما [أمر] الإمامة فإنه لا يوصف الله فيه بالبداء، وعلى ذلك إجماع فقهاء الإمامية ومعهم فيه أثر عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته، ولا إمام عن إمامته، ولا مؤمن قد أخذ عهده بالإيمان عن إيمانه.
وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه وجعلوه دلالة على نص أبي عبد الله (عليه السلام) على إسماعيل.
فأما من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه، فإنه منتقض القول فاسد الرأي، من قبل أنه إذا لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة أبي عبد الله (عليه السلام) لاستحالة وجود إمامين بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في زمان واحد، لم يجز أن تثبت إمامة محمد لأنها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام، وذلك فاسد بالنظر الصحيح.
وأما من زعم أن أبا عبد الله (عليه السلام) نص على محمد بن إسماعيل بعد وفاة أبيه، فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر، وإنما قالوه قياسا على أصل فاسد، وهو ما ذهبوا إليه من حصول النص على ابنه إسماعيل، وزعموا أن العدل يوجب بعد موت إسماعيل النص على ابنه لأنه أحق الناس به، وإذا كنا قد بينا عن بطلان قولهم فيما ادعوه من النص على إسماعيل، فقد فسد أصلهم الذي بنوا عليه الكلام.
على أنه لو ثبت ما ادعوه من نص أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه إسماعيل لما صح قولهم في وجوب النص على ابنه من بعده، لأن الإمامة والنصوص ليستا موروثتين