وأما الخبر الذي تعلقوا به، فهو خبر واحد، لا يوجب علما ولا عملا، ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات وارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات، على أنه يقال لهم: ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما صدر عن أبي عبد الله (عليه السلام) عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الأحوال، ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق، ويحذرهم من قبول أقوال المرجفين به المؤدية إلى الفساد، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الأزمان، وأن يكون على العموم في كل حال، ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده، وأنه يتأخر عنهم، فقال: من جاءكم من هؤلاء، فقد جاء في بعض الأسانيد، من جاءكم منكم، وفي بعضها: من جاءكم من أصحابي، وهذا يقتضي الخصوص.
وله وجه آخر، وهو أنه عنى بذلك كل الخلق سوى الإمام القائم بعده، لأنه ليس يجوز أن يتولى غسل الإمام وتكفينه ودفنه إلا الإمام القائم مقامه، إلا أن تدعو ضرورة إلى غير ذلك، فكأنه (عليه السلام) أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن تولي أمره بنفسه.
وإذا كان الخصوص قد يكون في كتاب الله تعالى مع ظاهر القول للعموم، وجاز أن يخص القرآن ويصرف عن ظواهره على مذهب أصحاب العموم بالدلائل، فلم جاز الانصراف عن ظاهر قول أبي عبد الله (عليه السلام) إلى معنى يلائم الصحيح، ولا يحمل على وجه يفسد المشاهدات ويسد على العقلاء باب الضرورات؟ وهذا كاف في هذا الموضع - إن شاء الله تعالى - مع أنه لا بقية للناووسية، ولم تكن أيضا في الأصل كثيرة، ولا عرف منهم رجل مشهور بالعلم، ولا قرئ له كتاب، وإنما هي حكاية إن صحت فعن عدد يسير لم يبرز قولهم