من رجب سنة تسع وسبعين ومائة، فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم، فدفعه إلى عيسى بن جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك، وشاع أمره، فحبسه عيسى في بيت من بيوت الحبس الذي كان يحبس فيه، وأقفل عليه، وشغله عنه العيد، فكان لا يفتح عليه الباب إلا في حالتين: حال يخرج فيها إلى الطهور، وحال يدخل إليه فيها الطعام.
قال الفيض بن أبي صالح، وكان نصرانيا ثم أظهر الإسلام، وكان يكتب لعيسى بن جعفر: لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله.
فبقي محبوسا عنده سنة، وكتب إليه الرشيد في دمه، فاستدعى عيسى بعض خواصه وثقاته فاستشارهم، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك، والاستعفاء منه، فكتب عيسى إلى الرشيد: لقد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله، ووضعت عليه العيون طول هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة، ووضعت عليه من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك ولا علي ولا ذكرنا بسوء، وما يدعو إلا لنفسه بالمغفرة والرحمة، فإن أنت أنفذت إلي من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله، فإني متحرج من حبسه.
وروي أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه يسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت، فلك الحمد. فوجه الرشيد من تسلمه منه وصيره إلى بغداد، فسلم إلى الفضل بن الربيع فبقي محبوسا عنده مدة طويلة (1).