وأخرج منه أربعين درهما، وقال: اقرأها مني السلام، وقل لها: ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ووصول هذا الكفن، وهذه الدراهم فانفقي منها ستة عشر درهما، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك، وأنا أتولى الصلاة عليك، فإذا رأيتني [يا نيشابوري] فاكتم، فإن ذلك أبقى لنفسك، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا، قبل أن تجيء بدراهمهم كما أوصوك، فإنك رسول.
إلى أن قال: ورجعت إلى خراسان، فاستقبلني الناس، وشطيطة من جملتهم، فسلموا علي، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى، ودفعت إليها الشقة والدراهم، وكادت تنشق مرارتها من الفرح، ودفعت الجزء إليهم، ففتحوا الخواتيم، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم.
وأقامت شطيطة تسعة عشر يوما، وماتت رحمها الله فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها، فرأيت أبا الحسن (عليه السلام) على نجيب، فنزل عنه وأخذ بخطامه، ووقف يصلي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها، ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية، وقال: عرف أصحابك وأقرأهم عني السلام، وقل لهم: إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم، وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار.
قال أبو جعفر: فلما ذهب (عليه السلام) عرفت الجماعة، فرأوه وقد بعد والنجيب يجري به، فكادت أنفسهم تسيل حزنا إذ لم يتمكنوا من النظر إليه (1).