وفي معرض الإجابة عن هذه التساؤلات نقول: بلى، إن مقتضى الحكمة والسياسة ألا يقبل الإمام بالتحكيم، إلا أنه (عليه السلام) - كما تفيد الوثائق التاريخية القطعية - لم يقبل التحكيم بإرادته وإنما فرض عليه فرضا، ولم تكن مقاومته أمام ذلك الرأي الساذج تجديه نفعا، بل كانت تؤدي إلى وقوع معركة النهروان في صفين، وسيضطر الإمام إلى محاربة قسم كبير من جيشه في ذات الميدان الذي كان يقاتل فيه جيش الشام.
عندما أدرك معاوية بأنه لا طاقة له على الصمود أمام جيش الإمام، وأن الحرب لو استمرت لكان الانتصار الحاسم حليف الإمام، لجأ - بما لديه من معرفة بفريق واسع من جيش الإمام، وبناء على اقتراح من عمرو بن العاص - إلى حيلتين شيطانيتين خطيرتين: الأولى هدفها إيقاف القتال مؤقتا، بينما ترمي الثانية إلى تمزيق أو إضعاف جيش الإمام. وقد آتت كلتا الحيلتين أكلهما بمعاضدة العناصر المتغلغلة في جيش الإمام.
كانت الحيلة الأولى رفع القرآن على الرماح، ودعوة الإمام إلى تحكيم القرآن، حتى أوقف القتال، أما الحيلة الثانية فكانت قضية التحكيم التي تم حبكها على نحو أكثر تعقيدا، مما أدى في خاتمة المطاف إلى وقوف قطاع من خيرة جيشه في وجهه.
وهذا هو السبب الذي دفع الإمام لاحقا إلى مقاتلة أنصاره في معركة النهروان. ولم يكن أمامه مناص في معركة صفين سوى الانصياع لضغوطهم وقبول التحكيم. وهناك قول مشهور للإمام في وصف حالته أثناء قبول التحكيم:
" لقد كنت أمس أميرا، فأصبحت اليوم مأمورا! وكنت أمس ناهيا، فأصبحت