والسؤال الأساسي الأخير فيما يخص أمر التحكيم هو: لماذا رفض الإمام اقتراح القراء بنقض الوثيقة ومعاودة القتال؟ ألم يكن يعلم بما سيؤول إليه رفض تلك المقترحات؟ وما هي الحكمة الكامنة وراء عدم اغتنام الإمام لتلك الفرصة الذهبية لإنهاء فتنة القاسطين، وتوقي وقوع فتنة المارقين؟
وجواب هذا السؤال: هو أن استجابة الإمام لتلك المقترحات تنطوي على ثلاثة أخطاء سياسية ودينية كبرى لم يكن الإمام على استعداد لاقترافها، وهي:
أ - الاعتراف بخطأ القيادة كان الطلب الأول للخوارج أن يعترف بأنه قد أخطأ فيما يخص القبول بأمر التحكيم، غير أن الإمام لم يكن على استعداد للإعلان عن ارتكابه لأي خطأ؛ وذلك لأن القبول بالتحكيم لحل الاختلافات لا يعد تصرفا خاطئا، بل هو أمر محبذ يؤيده القرآن. والمؤاخذة الوحيدة في هذا السياق هي أن التحكيم في هذه الواقعة جاء خلافا للحكمة والسياسة التي أعلنها الإمام صراحة، لكنهم هم الذين استنكروا منه ذلك الموقف وأملوا عليه وعلى جيش الكوفة الرضوخ للتحكيم.
وفضلا عن ذلك، فإن الإمام كان يميل إلى الاستقالة على نحو يرضي الخوارج، غير أن الأشعث لم يقبل وأصر على أن يعترف الإمام بالخطأ على نحو يسيء إلى مكانته بوصفه قائدا.
ب - نقض العهد ولو افترضنا أن الإمام قد اعترف بخطأ؛ فإن الخوارج كان لديهم طلب آخر؛ وهو نقض الوثيقة بين جيش الشام والكوفة. بينما كان الإمام يرى أن التمسك