أو لم يريدوا أن يدركوا بأن رفع المصاحف على الرماح لم يكن إلا مكيدة أراد بها الشاميون إيقاف القتال؟ ولماذا لم يصغوا لكلام إمامهم، وأرغموه على قبول التحكيم؟
ينبغي الإجابة عن هذا السؤال بالقول: إنه وإن كان ثمة أفراد في جيش الإمام كانوا طوع أمره، وأرادوا أن تستمر المعركة حتى انتصار جيش الكوفة، إلا أن الوثائق التاريخية تثبت أن الأكثرية العظمى من جيش الإمام كانت قد سئمت الحرب أولا، وكانوا يعلمون أنهم حتى لو انتصروا فلن يحصلوا على أية غنائم - مثلما حدث في معركة الجمل - ثانيا؛ ومن هنا فهم كانوا يفتقدون الدوافع المحفزة على مواصلة القتال. وعندما عرض عدي بن حاتم على الإمام (عليه السلام) مواصلة الحرب قائلا: يا أمير المؤمنين، ألا نقوم حتى نموت؟
قال علي (عليه السلام): " ادنه "، فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه، فقال: " ويحك! إن عامة من معي يعصيني، ومعاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه ".
نعم، فقد كان قراء الكوفة - الذين كان لهم دور أساسي في جيش الإمام - من جملة هذه الشرذمة، ونظرا لمكانتهم بين أهل الكوفة، فقد أصبح لهم الدور الأكبر في صياغة هذا المشهد الأليم، وكان جهلهم وغرورهم بمثابة الغشاء الذي حال بينهم وبين إدراك الخدعة التي لجأ إليها الشاميون برفع المصاحف على الرماح لغرض إيقاف الحرب والحيلولة دون هزيمتهم المتوقعة، وقد أدى التطرف الديني (1) - المقرون بالجهل والحماقة - بهؤلاء العباد الجهلة إلى إرغام إمامهم على قبول التحكيم.