وأخذ علي يسير فيما بين الميمنة والميسرة، ويأمر كل كتيبة من القراء أن تقدم على التي تليها، فلم يزل يفعل ذلك بالناس، ويقوم بهم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره، والأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي في القلب، والناس يقتتلون من كل جانب، وذلك يوم الجمعة، وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها، وكان قد تولاها عشية الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى، وأخذ يقول لأصحابه: ازحفوا قيد (1) هذا الرمح، وهو يزحف بهم نحو أهل الشام، فإذا فعلوا قال: ازحفوا قاد هذا القوس، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك، حتى مل أكثر الناس الإقدام.
فلما رأى ذلك الأشتر قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم، ثم دعا بفرسه، وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي، وخرج يسير في الكتائب ويقول:
من يشتري نفسه من الله عز وجل ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله! فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه، وحيان بن هوذة (2).
2564 - وقعة صفين عن زياد بن النضر الحارثي: شهدت مع علي بصفين، فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال، حتى تكسرت الرماح، ونفدت السهام، ثم صرنا إلى المسايفة؛ فاجتلدنا بها إلى نصف الليل، حتى صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا.
وقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح؛ فلم يبق شيء من السلاح إلا قاتلت به، حتى تحاثينا بالتراب، وتكادمنا بالأفواه، حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى