فرجع الشامي وهو يسترجع.
قال: وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل [والحجارة] حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت، ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف وعمد الحديد، فلم يسمع السامع إلا وقع الحديد بعضه على بعض، لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق، ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا. قال: وانكشفت الشمس [بالنقع] وثار القتام، وضلت الألوية والرايات. قال: و [أخذ] الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها. قال: فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل، لم يصلوا لله صلاة. فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح والمعركة خلف ظهره، وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة، وهي " ليلة الهرير ". و [كان] الأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي في القلب، والناس يقتتلون.
ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى، والأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام: ازحفوا قيد رمحي هذا. وإذا فعلوا قال: ازحفوا قاب هذا القوس (1). فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الإقدام (2). فلما رأى ذلك قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم. ثم دعا بفرسه وركز رايته، وكانت مع حيان بن هوذة النخعي، وخرج يسير في الكتائب ويقول: ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى