الإمكان صورا علمية غير متناهية، ولكل شئ يدخل في الوجود في أي زمن كان صورة مخصوصة به هناك، فيمكن أن يخاطب الله لتلك الصورة عند خلقه بقوله:
(كن، فيكون) ويشير إلى هذا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمه ثم رش عليهم من نور الوجود، فتكونوا فظهروا (1).
فيكون الخلق هنا بمعنى التصوير والتقدير، ويجعل الإمكان لكونه الصلوح المجرد عن الوجود ظلمة ساترة لكل موجود، فالتكوين يحصل بإخراج الشيء عن ظلمة العدم من جهة إفاضة نور الوجود، فيكون ويتحقق حينئذ الأمر والمخاطب في قوله تعالى: (كن فيكون)، ويستغني عن التكلفات التي ارتكبها الأكثرون في هذا المقام الذي هو من مزال الأقدام.
والمكان هو موضع كون الشيء، وكون الشيء هو حدوثه ووقوعه، وهو بهذا المعنى تام لا يحتاج إلى الخبر، تقول: كان الأمر كذا، وأنا أعرفه مذ كان.
قال الجوهري: وتقول: كان كونا وكينونة أيضا تشبيها بحيدودة والطيرورة من ذوات الياء، ولم يجئ من الواو على هذا إلا أحرف: كينونة، وهيعوعة، وديمومة، وقيدودة، والأصل في كينونة كينونة - بتشديد الياء - فحذفوا إحدى اليائين كما حذفوها من هين وميت، ولولا ذلك لقالوا: كونونة (2).
والقدرة مصدر من قولك: قدرت على الشيء قدرة - من باب ضرب - إذا قويت عليه وتمكنت منه، وهي تستعمل اسم مصدر أيضا، والفاعل قدير وقادر وفي الأول دلالة على المبالغة، والشيء مقدور عليه.
وأصل القدرة هو ان الفاعل إن شاء فعل وإن شاء ترك، وهي بالنسبة إلى طرفي الفعل وعدمه متساوية، وإلا لكان وجوبا أو امتناعا، والغالب تعليقها على المعدوم الممكن، بل قيل: إنها لا تتعلق بالموجود أصلا، لأن القدرة على الشيء انه إن شاء فعله أي أحدثه والا فلا، والشيء لو تعلق به القدرة بعد الوجود لزم تحصيل