قال ابن أبي الحديد: وهذا الكلام لا جواب عنه، ولقد كان التكرم ورعاية حق رسول الله وحفظ عهده، يقتضي أن تعوض ابنته بشئ يرضيها إن لم يستنزل المؤمنون عن فدك، ويسلم إليها تطييبا لقلبها، وقد يسوغ للإمام أن يفعل مثل ذلك من غير مشاورة المسلمين إذا رأى المصلحة فيه، إنتهى (1).
أقول: مع أن المسلمين أيضا كانوا لا يضايقون بذلك لو قال لهم ذلك، أو أمرهم بأن يفعلوا كذلك، والوجه الآخر أن من لوازم الخلافة وآثارها الظاهرية أخذ الوجوهات الإسلامية، فهم فعلوا ذلك ليتبين للناس أن الأمر انتقل إليهم بحيث قد أخذوا ما شاؤوا من أهل بيت النبوة، فلا يبقى لسائر الناس كلام بعد ذلك في صرف الوجوه إليهم، ويزول طمعهم في أهل البيت فيصرف وجوههم عنهم، إذ لا يبقى للضعيف قوة دافعة بعد جريان الحكم في القوى البتة.
وعلى أي نحو كان فلما بويع لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وكان علي (عليه السلام) حينئذ مشغولا بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) - على ما ورد تفصيل الأمر في الأخبار المروية - رجعوا إلى منازلهم، وأقبلوا على إصلاح شأنهم وحالهم، فأول ما اقتضاه مصلحة الدولة والخلافة بعد استقرار الأمر في الجملة أن يرسلوا إلى فدك ويخرجوا عنها وكيل فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فرجع الوكيل إلى المدينة وأخبر بالواقعة، فبعد ذلك احتج علي وفاطمة (عليهما السلام) على أبي بكر وعمر باحتجاجات كثيرة في مجالس مختلفة، وأتيا إليهما بحجج شافية، واستدلالات وافية، فلم ينفع ذلك في تلك القلوب القاسية شيئا بالمرة، بل زادوا قسوة على قسوة لكونها كالحجارة أو أشد قسوة.