يزعمون أنه مصنوع، وانه من كلام أبي العيناء، لأن الكلام منسوق البلاغة.
فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، ويعلمونه أولادهم، وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة (عليها السلام) على هذه الحكاية، وقد رواه مشايخ الشيعة، وتدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء.
وقد حدث الحسين بن علوان، عن عطية العوفي انه سمع عبد الله بن الحسن بن الحسين يذكر عن أبيه هذا الكلام، ثم قال أبو الحسين زيد: وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة (عليها السلام)، وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة (عليها السلام) ويحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت؟! ثم ذكر الحديث بطوله على نسقه، انتهى (1).
فقول بعض العامة العمياء بأن هذه الخطبة مصنوعة، وانها من كلام أبي العيناء، حيث ذكروا أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام لنفسه - كما ذكره أبو الفضل المذكور - (2) نظير ما ذكروا أن خطب نهج البلاغة، أو الخطبة الشقشقية وحدها من كلام الرضي ومصنوعاته، مع ما تحقق من وجود تلك الخطب والكلمات قبل ولادة الرضي بأعوام كثيرة، كما حققها في شرح نهج البلاغة (3)، وما تلك النسبة في المقامين إلا لاخفاء مثالب الخلفاء، حتى لا يتحقق شكاية أهل البيت (عليهم السلام) منهم بين العامة فيوجب ذلك قدحهم.
وأبو العيناء المذكور هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن خلاد الضرير المعروف بأبي العيناء مولى أبي جعفر المنصور، أصله من اليمامة وولد بالأهواز سنة إحدى وتسعين ومائة ونشأ بالبصرة، وكان من أحفظ الناس، وأفصحهم لسانا، وأسرعهم جوابا، كف بصره حين بلغ أربعين سنة، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، كان صاحب النوادر والشعر والأدب، وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وغيرهما،