فخرج عبد الرحمن وهو خجلان، وجاء إلى أبي بكر وعمر، وسعد بن معاذ الأنصاري أيضا معهما، وتكلموا في ذلك وقد أيسوا عن الطمع في زواج فاطمة (عليها السلام)، إلى أن قالوا: وإن عليا لم يخطبها إلى الآن من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولعل ذلك من جهة أنه فقير لا مال له، وما نرى أن الله ورسوله أخر فاطمة إلا له، فلنذهب إلى على ونسأله عما يمنعه عن تلك الخطبة.
فجاؤوا في جمع كثير من أكابر قريش إلى علي (عليه السلام) وهو في بستان لبعض الأنصار يسقيه بالناضح للأجرة، فجاء علي (عليه السلام) بالرطب الذي أخذه اجرة فوضعه بين أيديهم فأكلوه.
فلما فرغوا شرعوا في ذكر المقدمة السابقة، فقالوا له: يا علي لو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرت له فاطمة فما نراه أخرها إلا لك، فإن الله تعالى قد جمع فيك مجامع الفضل والشرف، وخصك بأنواع الكرامات، ولا نعلم شيئا من خصال الخير إلا وفيك موجود، ومكانك من رسول الله في القرابة والصحبة والسابقة مشهود، فما منعك من هذه الخطبة وفيها خير الدنيا والآخرة؟!.
فتغرغرت عيناه (عليه السلام) بالدموع وقال: إن هذه لموضع رغبة لا محالة، ولكن يمنعني من ذلك أمران، أحدهما قلة ذات اليد وضيق المعاش، والآخر اني أستحيي من أن أواجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الخطبة.
وبالجملة تكلموا في ذلك كثيرا ولم يتركوا شيئا في المرحلة إلى أن حرضوه على تلك المسألة، فأتى علي (عليه السلام) إلى منزله، فبدل ثيابه وأتى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في حجرة أم سلمة، فقرع الباب فعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كيفية قرعه أن القارع هو علي (عليه السلام)، فقبل أن يقول هو (عليه السلام) أنا علي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أم سلمة قومي وافتحي الباب، فإن هذا رجل يحبه الله ورسوله وهو يحب الله ورسوله.
قالت أم سلمة: يا رسول الله من ذا بهذه المنزلة وقد أمرنا الله تعالى بالحجاب؟
فقال: يا أم سلمة من بالباب رجل ليس بالخرق ولا النزق، وهو أخي وابن عمي، وأحب الخلق إلي وأعزهم علي.