فأتى عمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال مثل ما قاله أبو بكر، وخطب لنفسه فاطمة (عليها السلام)، فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله) بما أجاب به أبا بكر، فرجع عمر فذكر له القصة، ثم قال: وأنا أظن أن رسول الله أخرها لبعض رؤساء العرب ممن له قدر وشوكة حتى يعتضد به في أمره، ويصل له القدرة والقوة.
وهما كانا في تلك الحالة إذ أتاهما عبد الرحمن بن عوف، فسمع المقال وعرف الحال فقال: أنا أروح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأخطبها لنفسي، وأنا أظن أن يزوجها مني لكثرة مالي ورفاه حالي، وان النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقير لا مال له يمكن أن يميل إلى المال ليصرفه في بعض المهمات والأشغال.
فذهب إلى داره بدل ثيابه بألبسة فاخرة، وتزيا بهيئة رائقة، وطيب ثيابه، وعطر أثوابه، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فخطبها لنفسه بنحو ما خطب غيره، فلم يجبه النبي (صلى الله عليه وآله) وسكت، فظن عبد الرحمن أن غرض النبي (صلى الله عليه وآله) أن يعين مهرها فقال: يا رسول الله وأصدقها إبلا كذا، وغنما كذا، وعبدا كذا، ومن الذهب والفضة كذا.
فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) ومد يده الشريفة وأخذ قبضة من رمال المسجد وطرحها في حجر عبد الرحمن، فقال: خذها إليك حتى يكثر بذلك مالك، فسبح تلك الرمال والأحجار في كف النبي المختار، فلما استقرت الرمال في حجر عبد الرحمن فإذا هي در ومرجان، فقال (صلى الله عليه وآله): يا عبد الرحمن ألم أقل لكم مرة بعد أخرى أن أمرها إلى ربها، فوالله لو خطبها مني أحد بعد ذلك لدعوت الله تعالى عليه، فأنشأ حينئذ كعب بن مالك الأنصاري هذه الأبيات:
فان يك موسى كلم الله جهرة * على جبل الطور المنيف المعظم فقد كلم الله النبي محمدا * على الموضع العالي الرفيع المسوم وإن يك نمل البر يوهم كلمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى فهذا نبي الله أحمد سبحت * صغار الحصى في كفه بالترنم عليه سلام الله ما هبت الصبا * وما دارت الأفلاك طورا بأنجم (1)