جماع أبواب أحكامه - صلى الله عليه وسلم - وأقضيته وفتاويه ليس الغرض من ذلك ذكر التشريع العام، وإن كانت أقضيته الخاصة تشريعا عاما، وإنما الغرض ذكر سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحكومات الجزئية التي فصل بها بين الخصوم وكيف كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - في الحكم بين الناس.
الباب الأول في أحكامه - صلى الله عليه وسلم - وأقضيته في المعاملات وما يتعلق بها وفيه أنواع:
الأول: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من القضاء بين اثنين:
روى الإمام أحمد والدارقطني والأربعة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين " (1).
وروى الإمام أحمد والبيهقي في السنن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقف على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله فإن قال الله تعالى ألقه ألقاه في مهواه أربعين خريفا " (2).
وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقبض بين اثنين في تمرة قط " (3).
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله تعالى ملكا يسدده " (4).
الثاني: في تقسيمه القضاء إلى ثلاثة أقسام:
روى أبو داود والبيهقي عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق