الباب الحادي عشر في سيرته - صلى الله عليه وسلم - في العذر والاعتذار وفيه أنواع:
الأول: في تحذيره صلى الله عليه وسلم من عدم قبول العذر.
روى ابن ماجة عن جوذان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اعتذر إلى أخيه بمعذرة، فلم يقبلها، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس ".
والثاني: في اعتذاره صلى الله عليه وسلم إلى بعض أصحابه - رضي الله تعالى عنهم -.
وروى الشيخان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه فما انصرف، قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي.
الثالث: في قبوله صلى الله عليه وسلم عذر من اعتذر إليه.
(روى مسلم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب كان قائد كعب، من بنيه، حين عمي. قال: سمعت بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال: كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط. إلا في غزوة تبوك. غير أني قد تخلفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلف عنه. دنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش. حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم، على غير معاذ. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة. حتى تواثقنا على الاسلام. وما أحب أن لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري، حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. والله! ما جمعت قبلها راحلتين قط. حتى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد. واستقبل سفرا بعيدا ومفازا. واستقبل عدوا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد بذلك الديوان. قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب، يظن أن ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال. فأنا إليها أصعر. فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. وطفقت أغدوا لكي أتجهز معهم. فأرجع ولم أقص شيئا.
وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك، إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه. ولم أقض من جهازي شيئا. ثم غدوت