وقد كان يقال لجعفر بعد قتله الطيار، لما ذكرنا، وكان كريما جوادا ممدحا، وكان لكرمه يقال له: أبا المساكين، لاحسانه إليهم.
قال الإمام أحمد: وحدثنا عفان بن وهيب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب.
وهذا إسناد جيد إلى أبي هريرة، وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه، وأما أخوه على رضي الله عنهما فالظاهر أنهما متكافئان أو على أفضل منه.
وإنما أراد أبو هريرة تفضيله في الكرم، بدليل ما رواه البخاري: حدثنا أحمد بن أبي بكر، حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني خبزا لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان وفلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شئ فنشقها فنلعق ما فيها.
تفرد به البخاري.
وقال حسان بن ثابت يرثي جعفرا:
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر * حب النبي على البرية كلها ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها بالبيض حين تسل من أغمادها * ضربا وانهال الرماح وعلها