بنا الامر إلى أن يصير الكتاب حاشية من الحواشي القديمة، إذ لا فائدة في التعليق على كل ما يمكن التعليق عليه، بل الفائدة في التعليق ما يجب التعليق عليه، وقد يلمس القارئ أن أسانيد الروايات والأحاديث لم تظفر بما ينبغي لها من التعريف بهؤلاء الرجال وذكر وفياتهم، ولو أنى فعلت ذلك لخرجنا بكتاب في رجال الحديث ما أرى قارئ السيرة النبوية بحاجة إليه، وفى هذا الباب كتب متخصصة ميسرة لمن أرادها.
ويلحظ أنى تدخلت بنقد بعض الاخبار التي ذكرها ابن كثير، ولم أملك أمامها سوى الاستبعاد العقلي، وقد رأيت ذلك واجبا حتى يتنبه القارئ إلى أنه ليس مطالبا بتصديق كل ما أثبته ابن كثير في كتابه هذا ما دام ليس ثابتا بدليل شرعي صحيح أو ليس له سند من العقل، وخاصة الاشعار التي تبدو عليها الصفة والتكلف، والاخبار الأسطورية التي لا تناسب يقظة البشرية وارتقاءها، وليس جانب السند هو الذي يهمنا في الخبر فحسب، بل يطلب أن يكون المتن أيضا منتسبا إلى الحقيقة بعيدا عن التزوير.
وقد نقد ابن خلدون، وهو الإمام الحجة، كثيرا من الاخبار بهذا المنهج، منهج الاستبعاد العقلي وبيان منافاة الخبر للسنن الكونية والظروف التاريخية، كما أشار إلى ذلك في أول مقدمته.
ولم أر فائدة في تخريج الاخبار، أي ذكر أماكن وجودها في الكتب، إذ أن أكثر أخبار السيرة مشترك بين الكتب التي تتناولها، فلا يفيد القارئ أن نذكر أن هذا الخبر مثلا موجود في سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري وشرح المواهب والشفاء والروض الانف ودلائل النبوة لأبي نعيم وعيون الأثر والاكتفا للكلاعي والوفا لابن الجوزي والسيرة الحلبية وما إلى ذلك من كتب السيرة بالإضافة إلى ما يمكن أن يوجد فيه الخبر من كتب الحديث، وفى كل ذلك نذكر أرقام الصفحات، إن ذلك كان يملا حيزا كبيرا لا حاجة