وتعب، وطلبوا أن يبدلوا بالخير شرا، كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل، فسلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة بتخريب البلاد والشتات على وجوه العباد، كما قال تعالى (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم).
قال غير واحد: أرسل الله على أصل السد الفأر وهو الجرذ ويقال له الخلد، فلما فطنوا لذلك أرصدوا عندها السنانير فلم تغن شيئا، إذ قد حم القدر ولم ينفع الحذر كلا لا وزر، فلما تحكم في أصله الفساد سقط وأنهار، فسلك الماء القرار، فقطعت تلك الجداول والأنهار وانقطعت تلك الثمار، وبادت تلك الزروع والأشجار، وتبدلوا بعدها بردئ الأشجار والأثمار، كما قال العزيز الجبار " وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل " قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو الأراك وثمره البرير، وأثل وهو الطرفاء. وقيل يشبهه، وهو حطب لا ثمر له " وشئ من سدر قليل " وذلك لأنه لما كان يثمر النبق كان قليلا مع أنه ذو شوك كثير وثمره بالنسبة إليه، كما يقال في المثل: لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى. ولهذا قال تعالى " ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور " أي إنما نعاقب هذه العقوبة الشديدة من كفر بنا وكذب رسلنا وخالف أمرنا وانتهك محارمنا.
وقال تعالى: " فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق " وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها، فتفرقوا في غور البلاد ونجدها أيدي سبأ شذر مذر، فنزلت طوائف منهم الحجاز، ومنهم خزاعة، نزلوا ظاهر مكة، وكان من أمرهم ما سنذكره، ومنهم المدينة المنورة اليوم، فكانوا أول من سكنها، ثم نزلت عندهم ثلاث قبائل من اليهود بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير، فحالفوا الأوس والخزرج وأقاموا عندهم، وكان من أمرهم ما سنذكره، ونزلت طائفة