سفيان (1): إني لو علمت يا محمد أنك رسول الله لما قاتلتك، ولكن أكتب صحيفتك باسمك واسم أبيك، فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمحوت الرسالة من الكتاب وكتبت " هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأهل مكة "، وإنما محوت اسمي من الخلافة كما محا النبي اسمه من الرسالة فكانت لي به أسوة. قالوا: فإنا نقمنا عليك غير هذا، إنك قلت للحكمين: " انظرا في كتاب الله، فإن كنت أفضل من معاوية فأثبتاني في الخلافة، وإن كان معاوية أفضل مني فأثبتاه في الخلافة " (2)، فإن كنت شاكا في نفسك أن معاوية أفضل منك فنحن فيك أعظم شكا. قال: فقال لهم علي: إنما أردت بذلك النصفة لمعاوية، لأني لو قلت للحكمين: احكما لي وذرا معاوية، كان معاوية لا يرضى بذلك، وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم [لو] (3) قال للنصارى لما قدموا عليه من نجران (4): تعالوا حتى نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، كانوا لا يرضون بذلك، ولكنه أنصفهم فقال: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (5)، فأنصفهم من نفسه، وكذلك أنصفت أنا معاوية، ولم أعلم لما أراد عمرو بن العاص من خديعة صاحبي. قالوا: فإنا نقمنا عليك غير هذا، إنك حكمت حكما في حق هو لك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ولو شاء لم يفعل، فحكم فيهم سعد بقتل النساء والرجال وسبي الذرية والأموال، وإنما أقمت حكما كما أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه حكما، فهل عندكم شيء غير هذا تحتجون به علي؟
قال: فسكت القوم وجعل بعضهم يقول لبعض: صدق فيما قال: ولقد دحض جميع ما احتججنا عليه، ثم صاح القوم من كل ناحية وقالوا: التوبة! التوبة! يا أمير المؤمنين.
فاستأمن إليه منهم ثمانية آلاف، وبقي على حربه أربعة آلاف، وأقبل علي