قال: سل عما بدا لك! فقال ابن أبي عقب: خبرني أيها الرجل عن المتحابين ما هما؟ وعن المتباغضين ما هما؟ وعن المستبقين والجديدين والدائبين وعن الطارف والتالد وعن الطم والرم وعن نسبة الله عز وجل ما هي؟ قال حرقوص: ما رأيت أحدا يسأل عن مثل هذا، ولكن خبرني عنها وأنت آمن! فقال له ابن أبي عقب: أما المتحابان فالمال والولد، وأما المتباغضان فالموت والحياة، وأما المستبقان فالنور والظلمة، وأما الجديدان فالليل والنهار، وأما الدائبان، فالشمس والقمر، وأما الطارف والتالد فالمال المستحدث والمال القديم، وأما الطم والرم فالطم البحر والرم الثرى، وأما نسبة الله عز وجل فإن قريشا سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا محمد! صف لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص وهي: (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد) (1).
قال: فتعجب القوم من كلام ابن أبي عقب وعلمه، ثم أجاب عبد الله بن وهب إلى علي بن أبي طالب جوابا: ورد علي كتابك مع رسولك، فقرأته وفهمت ما فيه، وأما قولك تأمرني أن ألزم الحق يوم لا يقضى بالحق، فقد صدقت وأنا لازم الحق جهدي وطاقتي، وأما قولك لا أزيغ فيزيغ من معي، فأنت معدن الزيغ وأهله، وقد قال الله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) (2)، وأما قولك إن السعيد من سعدت به رعيته والشقي من شقيت به رعيته، فقد صدقت وما أعلم سعيدا سعدت به رعيته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أبي بكر ومن بعده عمر، ولا أعلم شقيا شقيت به رعيته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليه وآله وسلم غيرك وغير عثمان بن عفان، والقول كما قلت كثير والتفسير يسير، فمن شاء هذر ونثر، ومن شاء قال بقدر، وأما قولك أن ادفع (3) إلينا قاتل عبد الله بن خباب فكلنا قتله (4)، وأما ذكرك المسير إلينا لقتالنا، فإذا شئت فاقدم فإنا عازمون على حربك - والسلام -.
قال: ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى ابن أبي عقب، فأخذه وأقبل إلى علي كرم الله وجهه، فخبره بالذي دار بينه وبين القوم من المسائل.