قال: وعندها نادى علي في أصحابه وأمرهم بالمسير إلى النهروان، فرحل ورحل الناس معه في السلاح والآلة الكاملة والعدة القوية (1)، حتى إذا صار قريبا من النهروان نظر فإذا برجل من أصحابه قد عدل عن الطريق وجلس على ترسه، فعلم علي رضي الله عنه أنه قد شك في قتال أهل النهروان، فعدل إليه علي بن أبي طالب وقام الرجل فجلس علي في موضعه، فإذا برجل قد أقبل من ناحية نهروان يركض على فرس له، فصاح به علي كرم الله وجهه: إلي! فجاء إليه، فقال له علي: ما وراءك؟ فقال: إن القوم لما علموا أنك تقاربت منهم عبروا النهروان هاربين، فقال له علي رضي الله عنه: أنت رأيتهم حين عبروا؟ قال: نعم، قال علي: كلا والذي بعث بالحق نبيا لا يعبرون ولا يبلغون إلى قصر بوران بنت كسرى حتى يقتل الله مقاتلهم على يدي، فلا يبقى منهم إلا أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلا أقل من عشرة، ذلك عهد معهود وقضاء مقضي (2).
قال (2): ثم نهض علي فركب حتى وافى القوم، وإذا هم قد مدوا الرماح في وجه علي وأصحابه وهم يقولون: لا حكم إلا لله. فقال علي رضي الله عنه: لا أنتظر فيكم إلا حكم الله. قال: ثم عبي علي أصحابه ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين، ثم دعا بعبد الله بن عباس فقال له: تقدم إلى هؤلاء واحتج عليهم وانظر ماذا يقولون!
قال: فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين أفألقي عني حلتي هذه وألبس درعي؟
فإني أخاف القوم على نفسي، فقال له علي: إني لا أخافهم عليك، فتقدم فها أنا ذا من وراءك.
قال: فتقدم عبد الله بن عباس حتى واجه القوم، ثم قال: أيها الناس! ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين؟ فقالوا له: يا بن عباس! إن الذي نقمناه عليك في وقتنا هذا أشد مما نقمناه على علي، وذلك إنك قد جئتنا في حلة يمانية ونحن نريد حربك وحرب ابن عمك، فقال ابن عباس: أما هذه الحلة فقد رأيت خيرا منها على من هو خير مني وهو أبو القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الحرب فقد دنت منا ومنكم ولا شك