لذلك لأن بلادكم هذه قد كانت مهاجر نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ومنازل الخلفاء من بعده، فلم تشكروا نعمة الله ربكم، ولم ترعوا حق أئمتكم حتى قتل خليفة الله بين أظهركم، فكنتم بين قاتل وخاذل وشاتم (1) ومتربص، أما والله لأفعلن بكم الأفاعيل ولأجعلنكم أحاديث كالأمم السالفة، يا أشرار الأنصار وحلفاء اليهود! ويا أسماء العبيد! إنما أنتم بنو النجار وبنو دينار وبنو سالم وبنو زريق وبنو طريف وبنو عجلان، أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي صدور المؤمنين! قال: ثم دخل المدينة فصعد المنبر وتكلم بنظير ذلك الكلام، حتى خاف أهل المدينة أن يوقع بهم، فقال له حويطب بن عبد العزى (2) وهو على المنبر: أيها الأمير! عشيرتك وقومك وأنصار نبيك وليسوا بقتلة عثمان، فالله الله إليهم! قال: فلم يكلمه بسر بن [أبي] أرطاة بشيء غير أنه مكث وكف عن بعض الكلام، وأمر بدور قوم من الأنصار فحرقت (3) وهدمت، ثم دعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه، ثم أرسل إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ليأتيه فلم يفعل، وذلك أنه كان شيخا كبيرا، فهم بقتله، حتى أرسلت إليه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألته الأمان له، فقال بسر: لا والله لا أؤمنه حتى يبايع معاوية، قال:
فبايع جابر بن عبد الله معاوية على الكره منه (4) وأقام بسر بالمدينة أياما حتى أخذ البيعة لمعاوية، ثم نادى في الناس فجمعهم ثم قال: يا أهل المدينة! إني قد صفحت عنكم وما أنتم لذلك أهل، لأنه ما من قوم قتل إمامهم بين أظهرهم فلم يدفعوا عنه بأهل أن يعفى عنهم، وإن نالتكم العقوبة في الدنيا فإني أرجو أن لا تنالكم رحمة الله عز وجل في الآخرة، ألا! وإني استخلفت عليكم أبا هريرة فاسمعوا له وأطيعوا، وإياكم والخلاف! فو الله لئن عدتم لمعصية لأعودن عليكم بالهلاك وقطع النسل.