كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٥
قال: فأرسل مروان إلى وجوه أهل المدينة فجمعهم في المسجد الأعظم، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر الطاعة وحض عليها وذكر الفتنة وحذر منها.
ثم قال في بعض كلامه: أيها الناس! إن أمير المؤمنين قد كبر سنه، ورق جلده وعظمه، وخشي الفتنة من بعده، وقد أراه الله رأيا حسنا، وقد أراد أن يختار لكم ولي عهد يكون من بعده لكم مفزعا، يجمع الله به الألفة ويحقن به الدماء، وأراد أن يكون ذلك من مشورة منكم وتراض، فماذا تقولون؟ فقال الناس من كل جانب: إنا لا نكره ذلك إذا كان لله فيه رضا. فقال مروان: إنه قد اختار لكم الرضا الذي يسير فيكم بسيرة الخلفاء الراشدين المهديين وهو ابنه يزيد.
قال: فسكت الناس وتكلم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وقال: كذبت والله يا مروان وكذب من أمرك بهذا، والله (1) ما يزيد برضا ولكن يزيد ورأيه هرقلية.
فقال مروان: أيها الناس! إن هذا المتكلم هو الذي أنزل فيه: (والذي قال لوالديه أف لكما) (2). قال: فغضب عبد الرحمن بن أبي بكر ثم قال: يا بن الزرقاء!
أفينا تتأول القرآن وأنت الطريد ابن الطريد! ثم بادر إليه وأخذ برجله ثم قال: انزل يا عدو الله عن هذا المنبر! فليس مثلك من يتكلم بهذا على أعواده.
قال: وضجت بنو أمية في المسجد، وبلغ ذلك عائشة فخرجت من منزلها ملتهفة بملاءة لها ومعها نسوة من نسوان قريش حتى دخلت المسجد، فلما نظر إليها مروان كأنه فزع لذلك ثم قال: نشدتك الله يا أم المؤمنين إن قلت إلا حقا، قالت عائشة: لا قلت إلا حقا. أشهد لقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أباك ولعنك. وأنت الطريد

(1) العبارة في الكامل لابن الأثير 2 / 510: ما الخيار أردتما لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هر قلية كلما مات هرقل قام هرقل.
(2) سورة الأحقاف الآية 17. في تفسير هذه الآية الكريمة: قال قتادة والسدي: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وكان أبواه يدعوانه إلى الإسلام، ويعدانه بالبعث فيرد عليهما بما حكاه الله عز وجل عنه وكان هذا منه قبل إسلامه. وروي أن عائشة (رض) أنكرت أن تكون نزلت في عبد الرحمن. وقال الحسن وقتادة أيضا: هي نعت عبد كافر عاق لوالديه. وقال الزجاج: كيف يقال نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه والله عزو جل يقول: (أولئك الذين حق عليهم القوم في أمم) أي العذاب ومن ضرورته عدم الإيمان وعبد الرحمن من أفاضل المؤمنين فالصحيح نزلت في عبد كافر عاق لوالديه " قال القرطبي: أول الآية خاص وآخرها عام. وقد مضى من خبر عبد الرحمن في سورة الأنعام عند قوله " له أصحابه يدعونه إلى الهدى " ما يدل على نزول الآية فيه إذ كان كافرا وعند إسلامه فضله تعين أن ليس المراد بقوله (أولئك الذين حق عليهم القول). القرطبي 16 / 97 - 98.
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر الحكمين 197
2 ذكر كتبة كتاب الصلح بينهم وما جرى في ذلك 201
3 ذكر أول من يسري من أصحاب علي بن أبي طالب بعد ذلك 205
4 ذكر وصية القوم لأبي موسى بالاحتياط في أمره والحذر من دهاء خصمه 207
5 ذكر غرور عمرو بن العاص صاحبه 210
6 ذكر ما قيل فيه بعد ذلك 216
7 ذكر ما سئل أمير المؤمنين من القضاء والقدر فيما جرى عليهم من الأمور 217
8 ابتداء ذكر الغارات بعد صفين 218
9 خبر أهل اليمن وتحريك شيعة عثمان بن عفان بها وخلافهم على علي بن أبي طالب 229
10 ذكر بسر بن أبي أرطأة الفهري وما قتل من شيعة علي بن أبي طالب بأرض اليمن 231
11 خطبة ثانية (لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) 237
12 خبر عبد الله بن عباس وزياد بن أبيه وأبي الأسود الدؤلي وما جرى بينهم 240
13 ذكر الخريت بن راشد وخروجه على علي بن أبي طالب وخلافه عليه 242
14 ذكر مصقلة بن هبيرة الشيباني وما كان منه إلى علي وهربه إلى معاوية 244
15 ذكر الكتاب الذي كتبه الحضين بن المنذر إلى مصقلة بن هبيرة 246
16 ذكر كتاب مصقلة بن هبيرة إلى قومه 248
17 ذكر ابتداء أخبار الخوارج من الشراة وخروجهم على علي رضي الله عنه 251
18 كلام ابن عباس للخارجي وما كان من رده عليه 252
19 ابتداء اجتماع الخوارج بالنهروان 255
20 ذكر خطبة علي بن أبي طالب قبل خروجه إلى النهروان 256
21 ذكر خطبته الثانية وما كان من توبيخه لأهل الكوفة 257
22 ذكر خطبته الثالثة 260
23 ذكر كتاب علي إلى الخوارج 262
24 مسير عبد الله بن أبي عقب إلى الخوارج وما جرى بينهم من المناظرة 263
25 ذكر ابتداء الحرب 271
26 ذكر وصية علي رضي الله عنه عند مصرعه 280
27 ذكر كتاب عبد الله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما 283
28 ذكر كتاب الحسن بن علي إلى معاوية 284
29 جواب كتاب الحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان 285
30 ذكر خروج معاوية من الشام يريد العراق وخروج الحسن بن علي من الكوفة يريد الشام 286
31 ذكر بيعة الحسن بن علي لمعاوية كيف كانت 290
32 ذكر مسير معاوية إلى العراق لأخذ البيعة لنفسه من الحسن بن علي رحمة الله عليه 292
33 ذكر خبر أهل البصرة وما كان من خلافهم على معاوية 296
34 ذكر زياد بن أبيه حين كان مع علي بن أبي طالب وكيف ادعاه معاوية بعد ذلك وزعم أنه أخوه 298
35 ذكر خطبة زياد بالبصرة وهي الخطبة التي لم يسبقه إلى مثلها أحد من أمراء البصرة 302
36 ذكر أخبار خراسان في أيام معاوية بن أبي سفيان 305
37 ذكر ولاية سعيد بن عثمان خراسان 306
38 ذكر مسير سعد بن عثمان إلى خراسان وخبر مالك بن الربيب المازني 308
39 ذكر فتوح خراسان أيضا بعد سعيد بن عثمان 314
40 ذكر موت زياد بن أبيه 316
41 ذكر أخبار خراسان وغير خراسان بعد موت زياد بن أبيه 317
42 وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب 318
43 ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف 322
44 ثم رجعنا إلى الخبر الأول 329
45 ذكر كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم بالمدينة في أمر يزيد 334
46 ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وما كان منه بمكة والمدينة إلى رجوعه 336
47 ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به من سفره من المرض وخبر وفاته 344
48 ذكر الكتاب والعهد إلى يزيد 347