تقدم، وفكر قبل أن تندم، فإن النظر قبل التقدم والتفكر قبل التندم. قال: فتبسم معاوية ضاحكا ثم قال (1): يا بن أخ! إنك تعلمت الشجاعة على رأس الكبر، إن دون ما شجعت به على أخيك يكفيك.
قال: ثم أرسل إلى الأحنف بن قيس فدعاه، ثم شاوره في أمر يزيد، فقال:
يا أمير المؤمنين! إننا نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، ولكن عليك بغيري.
قال: فأمسك عنه معاوية، وجعل يروض الناس في كل سنة وفي كل موسم يدعوهم إلى بيعة يزيد.
قال: فلم يزل على ذلك سبع سنين، قال: ودخلت سنة خمس وخمسين (2) فكتب معاوية إلى أهل الأمصار أن يقدموا عليه، فقدم عليه قوم من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل مكة والمدينة وأهل مصر والجزيرة ومن جميع البلاد، فاستشارهم معاوية في البيعة ليزيد، فقام إليه رجل من أهل المدينة يقال له محمد بن عمرو (3) بن حرم فقال: يا معاوية! إن يزيد أهل لما تريد أن ترسمه له، وهو لعمري غني في المال، ووسيط في النسب، غير أن الله تعالى سائل كل راع عن رعيته فاتق الله يا معاوية وانظر من تولي أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم! قال: فتنفس معاوية الصعداء ثم قال:
يا بن عمرو! أنت رجل ناصح وإنما قلت برأيك ولم يكن عليك إلا ذلك، غير أنه لم يبق من أولاد الصحابة إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحب إلي من أبنائهم، قال:
فسكت الناس وانصرفوا يومهم.
فلما كان من الغد بعث معاوية إلى الضحاك بن قيس فدعاه وقال: إني قد عزمت على الكلام، وإذا غص المجلس بأهله ورأيتني ساكتا فكن أنت الذي تدعوني إلى أمر بيعة يزيد وحضني على بيعته (4).