الملائكة، فتقف علي فأقول: من أنتم؟ فينسون ذكري ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب، فأقول: أنا أحمد نبي العرب والعجم، فيقولون: نحن من أمتك يا أحمد! فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعنا ومزقنا، وأما عترتك فحرصنا على أن يندهم من حديد الأرض فأولى عنهم وجهي، فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم. ثم يرد علي راية أخرى أشد سوادا من الأولى، فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون كما تقول الأول إنهم من أهل التوحيد نحن من أمتك، فأقول لهم: كيف خلفتموني في الثقلين الأصغر والأكبر، في كتاب الله وفي عترتي؟ فيقولون: أما الأكبر فخالفنا، وأما الأصغر فخذلنا ومزقناهم كل ممزق، فأقول: إليكم عني! فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم. ثم يرد علي راية أخرى تلمع نورا، فأقول لهم: من أنتم؟
فيقولون: نحن كلمة التوحيد، نحن أمة محمد ونحن بقية أهل الحق الذين حملنا كتاب ربنا، فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، وأحببنا ذرية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنصرناهم بما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم وقتلنا من ناواهم، فأقول لهم: أبشروا! فأنا نبيكم محمد، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم. ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين. ألا! وإن جبريل عليه السلام قد أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء. ألا! فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر.
قال: ثم نزل على المنبر، ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا واستيقن أن الحسين مقتول، حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار وقدم المدينة، جعل الناس يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان وكيف تحدثهم بأنواع الملاحم والفتن، ثم قال كعب: نعم وأعظمها ملحمة التي لا تنسى أبدا وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب، وقد ذكره في كتابكم، فقال عز وجل (ظهر الفساد في البر والحبر) (1)، وإنما فتح بقتل هابيل، وختم بقتل الحسين بن علي.
ثم قال كعب: أظنكم تهونون قتل الحسين، أو لا تعلمون أنه يفتح كل يوم وليلة أبواب السماء كلها، ويؤذن للسماء بالبكاء، فتبكي دما عبيطا؟ فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها شرقا وغربا فاعلموا بأنها تبكي حسينا، فتظهر هذه