نبيك محمد، فكيف أخبره بهذا الخبر، ليتني لم أنزل إليه! فنودي الملك من فوق رأسه أن امض لما أمرت.
فنزل وقد نشر أجنحته حتى وقف بين يديه فقال: السلام عليك يا حبيب الله!
إني استأذنت ربي في النزول إليك فأذن لي، فليت ربي دق جناح ولم آتك بهذا الخبر، ولكني مأمور، يا نبي الله! اعلم أن رجلا من أمتك يقال له يزيد - زاده الله عذابا - يقتل فرخك الطاهر ابن الطاهرة، ولن يمتع بالملك من بعد ولدك، وسيأخذه الله مغافضة على أسوء عمله، فيكون من أصحاب النار.
قال: فلما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر له، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك، فقال: هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطىء الفرات يقال لها كربلا، يقتل بها ولدي الحسين ابن فاطمة، فقيل: من يقتله يا رسول الله؟ فقال: رجل يقال له يزيد، لا بارك الله له في نفسه! وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه بها، وقد أهدي برأسه، وو الله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرع إلا خالف الله بين قلبه ولسانه.
قال: ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سفره ذلك مغموما ثم صعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بن علي بين يديه مع الحسن، قال: فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى على رأس الحسين ثم رفع رأسه إلى السماء فقال:
اللهم! إني محمد عبدك ونبيك وهذان أطايب عترتي وخيار ذريتي وأرومتي ومن أخلفهم في أمتي، اللهم! وقد أخبرني جبريل بأن ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم! فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء، إنك على كل شيء قدير، اللهم! ولا تبارك في قاتله وخاذله. قال: وضج الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتبكون ولا تنصرونه! اللهم! فكن أنت له وليا وناصرا.
قال ابن عباس: ثم رجع وهو متغير اللون محمر الوجه فخطب خطبة بليغة موجزة وعيناه يهملان دموعا ثم قال: أيها الناس! إني قد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح مماتي وثمرتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا! وإني أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم المودة في القربى، فانظروا أن لا تلقوني غدا على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم، ألا! وإنه سيرد علي في القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة، راية سوداء مظلمة قد فزعت لها