بكر بن وائل (1) يقول بعضهم لبعض: تعالوا حتى نرد الملك في دار النعمان بن المنذر (2) فإنه أحق بهذا الامر من ابن أبي قحافة، قال: فعزموا على ذلك، ثم خرج نفر من رؤسائهم وأهل الشرف فيهم حتى قدموا على كسرى ملك الفرس فاستأذنوا عليه فأذن لهم فدخلوا عليه وحيوه بتحية الملوك، فقال كسرى: ما الذي أقدمكم يا معشر العرب؟ فقالوا: أيها الملك! إنه قد مضى ذلك الرجل العربي الذي كانت قريش وسائر مضر يعتزون به - يعنون بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم وآله) - وقد قام من بعده خليفة له ضعيف البدن ضعيف الرأي، وقد انصرف عامله إلى صاحبه (3)، وبلاد البحرين اليوم ضائعة ليس بها أحد ممن هو على دين الاسلام إلا شرذمة من عبد القيس، وليس هم عندنا بشئ ونحن أكثر منهم خيلا ورجلا، فلو بعثت إلى البحرين رجلا يأخذها لم يكن أحد يمانعه عليها. قال: فقال لهم كسرى: فمن تحبون أن أوجه معكم إلى البحرين؟ فقالوا: من أحب الملك، قال: فما تقولون في المنذر ابن النعمان بن المنذر؟ فقالوا: أيها الملك! هو لنا رضا وما نريد بدلا. قال: فأرسل كسرى إلى المنذر بن النعمان، فدعاه وهو يومئذ غلام حدث السن حين بقل وجهه، فخلع عليه خلعا وتوجه بتاج وحمله على مائة من الخيل وضم إليه سبعة آلاف فارس وراجل، وعزم على أن يوجه به مع بكر بن وائل إلى البحرين.
قال: وتجهز المنذر بن النعمان ليخرج مع القوم وندم كسرى على ما فعل وجعل يقوم لوزرائه: إني لم أصنع شيئا عمدت إلى غلام حدث (4) لا معرفة له بالأمور فجعلته رأسا للعرب، وما عسى أن يكون مثله، وبلغ ذلك المنذر بن النعمان فأقبل حتى دخل على كسرى فحياه بتحية الملوك ووقف بين يديه ثم أقبل على من بحضرته من العرب ثم قال: انظروا أن تفسروا ما أقول. قال: فلما فسرت هذه الأبيات (5) لكسرى وفهمها أمره بالمسير إلى البحرين مع بكر بن وائل فكان معهم