قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكان في كيس لي، فأخذه أهل الشام يوم الحرة (1).
(1) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار، والحرار كثيرة في بلاد العرب، أكثرها حوالي المدينة والشام، والحرة التي وقعت فيها هذه الواقعة تقع في شرقي المدينة، اسمها حرة واقم، وكانت هذه الوقعة في خلال خلافة يزيد بن معاوية على أهل المدينة سنة (63) ه حيث تولى الخلافة بعد وفاة معاوية سنة (60) وحتى توفي سنة (63) ه، وكان موفور الرغبة في اللهو والقنص والنساء، وكان أيضا فصيحا كريما شاعرا، ولى ثلاث سنين: في السنة الأولى قتل الحسين، وفي السنة الثانية نهب المدينة وأباحها، وفي السنة الثالثة غزا الكعبة، وكان من أخبار يوم الحرة أن مسلم بن عقيل أمر عبد الله بن عضاه الأشعري فمشى في خمسمائة حتى دنوا من ابن الغسيل [ابن حنظلة] وأصحابه، وأخذوا ينضحونهم بالنبل، فقال ابن غسيل: علام تستهدفون لهم؟ من أراد التعجل إلى الجنة فليلزم هذه الراية، فقام إليه كل مستميت، فقال: اتعدوا إلى ربكم، فوالله إني لأرجو أن تكونوا بعد ساعة قريري عين، فنهض القوم بعضهم إلى بعض، فاقتتلوا أشد قتال رئي في ذلك الزمان ساعة من نهار، وأخذ يقدم بنيه أمامه واحدا واحدا حتى قتلوا بين يديه، وابن الغسيل يضرب بسيفه ويقول:
بعد لمن رام الفساد وطغى * وجانب الحق وآيات الهدى لا يبعد الرحمن إلا من عصى فقتل ومعه أخوه لأمه، محمد بن ثابت، وقتل معه محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فمر عليه مروان بن الحكم، فقال: رحمك الله فرب سارية قد رايتك تطيل القيام في الصلاة إلى جنبها. وغلبت الهزيمة على أهل المدينة، وأباحها مسلم ثلاثا، يقتلون الناس، ويأخذون الأموال، فافزع ذلك من كان بها من الصحابة، فخرج أبو سعيد الخدري حتى دخل في كهف في الجبل، فبصر به رجل من أهل الشام، فجاء حتى اقتحم عليه الغار.
قال أبو سعيد: دخل إلي الشامي يمشي بسيفه، فانتصيت سيفي، ومشيت إليه لأرعبه، لعله ينصرف عني، فأبى إلا الإقدام علي، فلما رأيت أن قد جد، شمت سيفي ثم قلت له: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)، فقال لي: من أنت؟ لله أبوك فقلت: أنا أبو سعيد الخدري، قال: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت:
نعم، فانصرف عني. (أيام العرب في الإسلام). 419 - 420.