بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكأ أفواهما، وأطلق العزالي ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء وأعطى، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): اجمعوا لها، فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها، تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذي أسقانا، فأتت أهلها - وقد احتبست عنهم - قالوا ما حبسك يا فلانة؟
قالت العجب! لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الذي يقال له الصابئ، ففعل كذا وكذا، والله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، وقالت بأصبعيها الوسطى، والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض، أو إنه لرسول الله حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أدري أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام (1).
وخرج عبد الرزاق من حديث معمر، عن عوف عن أبي رجاء، عن عمران قال: سرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر هو وأصحابه، قال: فأصابهم عطش شديد، فأقبل رجلان من أصحابه - قال: أحسبه عليا والزبير رضي الله عنهما أو غيرهما - قال: إنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا، معها بعير عليه مزادتان فأتيا بها، قال: فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير، فقالا لها: أجيبي رسول الله، قالت: ومن رسول الله؟ أهذا الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين وهو رسول الله حقا، فجاءا بها، فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء الله أن يقول، ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلاء المزادتين ففتحتا، ثم أمر الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم، فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملئوه، قال عمران: