وخرج الإمام أحمد من حديث أبي كدينة عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول الله ليس في العسكر ماء، قال:
هل عندك شئ؟ قال: نعم، فأتى بإناء فيه شئ من ماء، قال: فجعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أصابعه في فم الإناء، وفتح أصابعه، قال: فلقد رأيت العيون تنبع من بين أصابعه، قال: فأمر بلالا ينادي في الناس: الوضوء المبارك (1).
وخرج البخاري من حديث إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر، فقل الماء فقال: اطلبوا فضله من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. ذكره في باب علامات النبوة (2).
قال الحفاظ أبو عمر بن عبد الله بن عبد البر: الذي أوتي النبي (صلى الله عليه وسلم) من هذه الآية المعجزة، أوضح في آيات الأنبياء وأعلامهم مما أعطي موسى عليه السلام إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا، وذاك أن الحجارة مما يشاهد انفجار الماء منها، ولم يشاهد قط أحد من الآدميين يخرج من بين أصابعه الماء إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد برع بنحو ما قلت المزني وغيره.
قال الإمام الحافظ أبو نعيم: وهذه الآية من أعجب الآيات أعجوبة، وأجلها معجزة، وأبلغها دلالة، شاكلت دلالة موسى عليه السلام في تفجر الماء من الحجر حين ضربه بعصاه، لا بل هذا أبلغ من الأعجوبة، لأن نبع الماء من بين اللحم والعظم أعظم من خروجه من الحجر، لأن الحجر سنخ (3) من أسناخ الماء، مشهور في المعلوم، مذكور في المتعارف، وما رؤي وما سمع بماء قط في ماضي