وأصبح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه لا يدرون أين الماء منهم، فبعث عليا رضي الله عنه معه نفر من أصحابه يطلبون له الماء، فانطلق في نفر فسار يومه وليلته، ثم لقي امرأة على راحلة بين مزادتين، فقال لها علي رضي الله عنه: من أين أقبلت؟
فقالت: [إني استقيت] (1) لأيتام، فلما قالت له وأخبرته أن بينه وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة على ذلك، قال علي والله لئن انطلقنا لا نبلغ حتى تهلك دوابنا ويهلك من هلك منا، ثم قال: ننطلق بهاتين المزادتين إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى ينظر في ذلك، فلما جاء علي وأصحابه، وجاءوا بالمرأة على بعيرها بين مزادتين، قال علي: يا رسول الله، بأبي وأمي، إنا وجدنا هذه بمكان كذا وكذا، فسألتها عن الماء فزعمت أن بينها وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة، فظننا أن لم نبلغه حتى يهلك منا من هلك.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أنيخوا لها بعيرها، فأناخوا لها بعيرها، فأقبلت عليهم فقالت: استقيت لأيتام وقد احتبست عنهم جدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ائتوني بإناء، فقال: افتحوا عزلاء هذه المزادة فخذوا منها ماءا يسيرا، ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماءا يسرا أيضا ففعلوا، ثم إن رسول الله دعا فيه وغمس يده فيه وقال: افتحوا لي أفواه المزادتين ففتحوا، فحثا في هذه قليلا وفي هذه قليلا ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لأصحابه: اشربوا، فشربوا حتى رووا، ثم قال: اسقوا ظهرهم، فسقوا الظهر حتى روى، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): هاتوا ما كان لكم من قربة أو مطهرة فاملأوها، فجاءوا بقربهم ومطاهرهم فملؤها، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شدوا عزلاء هذه وعزلاء هذه ثم قال: ابعثوا البعير فبعثوها، فنهضت وإن المزادتين لتكادان تقطران من ملئهما.
ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كساء المرأة ثم قال لأصحابه: هاتوا ما كان عندكم من شئ، فجعلوا يجيئون بالكسرة، من الخبز والشئ من التمر حتى جمع لها، ثم أخذ كساءها ذلك فشده ثم دفعه إليها ثم قال: خذي هذه لأيتامك، وهذا ماؤك وافرا.