أحبس، فرأيت أبا موسى الأشعري، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة [يتقاولون] (1)، وحذيفة يقول لعبد الله بن مسعود: أعطهم، وعبد الله يقول: والله لا أدفعه إليهم، قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وأدفعه إليهم؟ والله لا أدفعه إليهم.
فالامتناع الذي كان منه للحذر الذي حاذره من أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، أجيب عن هذا بأن عثمان جمع المصاحف وطالب عبد الله بمصحفه بعد حصول مصحف المسلمين الذي اجتمعت على صحته الصحابة كلهم، بعد تصحيح أبي بكر وعمر إشفاقا من أن يكون في بعضها منسوخ لم يقف صاحب المصحف [عليه] (1) لوقوفه هو وسائل المسلمين على ما يلحقه ويدخل عليه.
وكان امتناع عبد الله من دفع مصحفه إشفاقا على تغيير يدخله، يخالف ما [قد] (1) رواه وأتقنه، وكان هذا الذي حاذره زائلا ساقطا مأمونا منه، فبعد ذلك حين وقف على إتقان المصحفين، واجتماع الروايتين، قرأ وأقرأ بمثل قراءة المسلمين، على أنه قد كان [آخر] (1) من تولى زيد بن ثابت جمع المصحف وقال: أنا أحق بهذه المنزلة لتقدمي في القراءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذي عنه، وزيد في صلب أبيه.
ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان، على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن، وعبد الله بن مسعود أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله، إذ وعاه كله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، والذي حفظه منه عبد الله في حياة رسول الله نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، أولى بجمع المصحف، وأحق بالإيثار والاختيار، ولا ينبغي أن يظن بأن هذا طعنا على عبد الله بن مسعود، لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا تقدمته عليه، لأن أبا بكر وعمر كان زيد أحفظ [منهما] (1) للقرآن، وليس هو خير [منهما] (1)، ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، فحسن اختيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أسندوا إليه جمع القرآن واضح، والذي لحق عبد الله ابن مسعود من الغضب، وما أبداه من الإنكار غير معول عليه، ولا مأخوذ