وأما إدريس عليه السلام فإن الله تعالى قال في حقه:
[ورفعناه مكانا عليا]، والعلو من الأمور النسبية، فتارة يكون علو مكان، وتارة وتارة يكون علو مكانة، فعلو المكان:
مقام إدريس عليه السلام، وهو على ما روي الفلك الرابع، رفعه الله إليه.
وأما علو المكانة: فهو الذي خص الله تعالى به المقام المحمدي، قال تعالى:
[وأنتم الأعلون والله معكم] (1)، فهو سبحانه وتعالى [منزه] عن المكان لا عن المكانة، وعلو المكانة أجل من علو [المكان] (2)، وقد خص الله سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من علو المكانة بما لم ينله أحد غيره، قال تعالى: [ورفعنا لك ذكرك] (3)، فرفع الله تعالى ذكره صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا صاحب صلاة إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقرن تعالى اسمه الكريم باسمه صلى الله عليه وسلم في توحيده والشهادة بربوبيته، في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل ذلك مفتاحا للصلوات المفروضات.
روي [عن] (4) ابن لهيعة، عن دراح عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله تعالى: [ورفعنا لك ذكرك] (5) قال: قال لي جبريل عليه السلام: قال الله: إذا ذكرت ذكرت معي.
وقال عثمان بن عطاء الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السماوات والأرض قلت: يا رب، إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد كرمته، جعلت إبراهيم خليلا، وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله؟ أن لا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرأون ظاهرا، ولم أعطها أمة، وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
* * *