أما إعجاز القرآن الكريم فقد اختلف فيه، هل هو من حجة البلاغة أو الصرفة؟ ثم اختلف القائلون بأنه من جهة البلاغة، فقال قوم: الإعجاز باعتبار أسلوب البلاغة، وقال آخرون:
بل بشرف البلاغة.
والفرق بين الأسلوب والشرف، أن الأسلوب هو النمط الخارج عن الأنماط المألوفة عندهم، كالخطابة، والمناظرة، والقصيد، والرجز، والخصومة، والرقي، والعوذ.
وشرف البلاغة يدخل منه المعنى الذي هو سبق الكلام له، ومن ذهب إلى هذا جعل وجوه الإعجاز عشرة:
أحدها: النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شئ، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وما علمناه الشعر وما ينبغي له﴾ (١).
وفي صحيح مسلم: أن أنيسا أخا أبا ذر رضي الله عنه قال لأبي ذر: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر [و] كاهن [و] ساحر، - وكان أنيس أحد الشعراء - قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على [إقراض] الشعر فلم يلتئم على [قول] (٢) أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
[وكذلك] (٢) أخبر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر، لما قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿حم﴾ (3) فصلت، فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان والفصاحة والبلاغة بأنه ما سمع مثل القرآن قط، كان في هذا القول مقرا بإعجاز