فصل في رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة إعلم أن في رعي البهائم العجم التي لا تعقل ولا تعرب عن نفسها، رياضة لحمل أعباء النبوة، فإن راعيها يسوسها ويحوطها من المتالف المخوفة، كالجوع والعطش والسباع، ويكف عادية قويها عن ضعيفها في منعها الرعي في مراتعها، وشرب الماء من مواردها، وإن القيام بذلك لسياسة يصعب معاناتها، ويشق على النفوس ملازمتها.
فإذا مرن الإنسان عليها وتهذبت بها أخلاقه، وصارت سيرة العدل والإحسان ملكة له، تأهل لسياسة العقلاء من البشر بحسن التدبير لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم والأخذ بحجزاتهم عما يؤذيهم، والصبر على أذاهم، واحتمال الأفعال عنهم.
ولهذا - والله أعلم - كانت الأنبياء صلوات الله عليهم رعاة البهائم أولا، حكمة من الله سبحانه لتتهذب أخلاقهم برعايتها، وتتهذب نفوسهم بسياستها، رياضة لقيامهم بأعباء النبوة، وصبرهم على ما يلقون فيها من مصاعب تكذيب المكذبين، ومشقات أذى المخالفين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
خرج البخاري من حديث عمرو بن يحيى عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟
قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، ترجم عليه باب رعي الغنم على قراريط (1).
وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن