وأما سليمان عليه السلام فإن الله تعالى وهب له ملكا لا ينبغي لأحد من [بعده] (1)، وقد أعطى الله نبينا صلى الله عليه وسلم خزائن الأرض، فأباها وردها اختيارا للنقل من الدنيا، واستصغارا لها بحذافيرها، وآثر مرتبته ورفعته عند ربه تعالى على ما يغني، ورضي بالقوت اليسير، فكان له من ذلك أعظم ما لسليمان لعلو مقامه.
وقد سخر الله تعالى لسليمان الريح فسارت به في بلاد الله، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا، فأعطى الله سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم من ذلك فأكثر، لأنه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر، وخرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف سنة في أقل من ثلث ليلة، فدخل السماوات سماءا سماءا، ورأى عجائبها ووقف على الجنة والنار، وعرض عليه أعمال أمته صلى الله عليه وسلم، وصلى بالأنبياء وبملائكة السماوات، وخرق الحجب، ودلى له الرفرف الأخضر، وأوحى إليه ربه تعالى ما أوحى، وأعطاه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، وعهد إليه أن يظهر دينه على الأديان، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها إلا دينه، أو يؤدون إليه وإلى أهل دينه الجزية عن صغار، وفرض عليه الصلوات الخمس.
ولقي موسى عليه السلام وماله [من] (1) مراجعة ربه في التخفيف عن أمته، وهذا كله في ليلة واحدة، فأيما أعجب وأكثر من هذا، أو الريح غدوها شهر ورواحها شهر، ومع ذلك فإن الصبا سخرت للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت من جملة أجناده، ولهذا قال: نصرت بالصبا، ومع ذلك فإن سليمان سأل ذلك فقال: [رب [اغفر لي و] (2) هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي] (3)، ونبينا صلى الله عليه وسلم حباه الله تعالى بذلك من غير تعرض منه له، وأين مقام من [يعطي] (1) حسب سؤاله، من مقام من تأتيه المنح الإلهية مخطوبا لها ومسئولا بها؟؟.