الحجة الثامنة لا خلاف عند كل عاقل أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان من أعلى الناس همة، وأوفرهم حكمة، ولولا ذلك ما انتظم له أمر هذا الناموس [هكذا] (1) بعد مدة طويلة، مع أنه عند الخصم دعي لا حجة معه، ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة، وهمته تعلو إلى تقدير منصب دائم ورئاسة باقية، فإنه يحتاط بنتاج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله ويبخس مآله.
ومن المعلوم عند كل حكيم فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه، ويعود تدبيره تدميرا، خصوصا والمسيح إله النصارى - بزعمهم - يقول: ما من مكتوم إلا سيعلن، ولا خفي إلا سيظهر. فلو لم يكن محمدا صلى الله عليه وسلم على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان، فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر.
وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة يخشى معرة المآل كما يخشى معرة الحال، ولا يرد علينا من يؤسس رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته، ثم لا يبالي ما كان بعد مماته، فإنه ذلك في غاية الخساسة، ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.
* * *