فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام] وقد أتى الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فإن قريشا لما كذبوه وبالغوا في أذاه وإهانته، دعا عليهم فاستجاب ربه دعاءه فيهم وقبله، كما خرجه عبد الرزاق، أخبرنا إسرائيل عن إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع قريش ينظرون، فقال قائل منهم: ألا ترون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلائها، حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟.
فانطلق أشقاهم فجاء به، حتى إذا سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا، وضحكوا حتى مال بعضهم على بعض، فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي الله عنها - وهي جويرية - فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا حتى نحت عنه، وأقبلت عليهم تسبهم.
فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته استقبل الكعبة فقال: اللهم عليك بقريش، ثم سماهم فقال: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وشيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد، قال عبد الله: والذي توفى نفسه، لقد رأيتهم صرعى يسحبون إلى القليب قليب بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أتبع أهل هذا القليب لعنة: وسيأتي هذا بطرقه.
فانظر لمشابهة هذا الخبر ما أوتيه نوح من إجابة دعائه في هلاك قومه، وتأمل ما ميز الله تعالى به محمدا صلى الله عليه وسلم من ذلك، فإن نوحا عليه السلام لما امتلأ غيظا من أذى المكذبين له، وعيل صبره، ابتهل إلى ربه تعالى يسأله أن ينصره، فقال: [أني مغلوب فانتصر] (1)، فهطلت السماء بماء منهمر، فكانت دعوته دعوة انتقام وانتصار.