قال ابن الأنباري: إذا روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه:
﴿والعصر * إن الإنسان في خسر﴾ (١)، كما يقرأ المسلمون جميعا بشهادة عاصم على أبي عبد الرحمن، فرواية أبي عبد الرحمن تنسخ كل رواية في القراءة عن علي، لموضع أبي عبد الرحمن عن علي، وضبطه عنه، وأنه كان يقرئ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فهذه جهة تبطل رواية من روى عن علي رضي الله عنه: (والعصر * ونوائب الدهر).
الجهة الثانية: أن عليا لما أفضت الخلافة إليه بعد عثمان رضي الله عنه، وكان إمام المسلمين وقدوتهم، لو علم أن (والعصر) في مصحف عثمان الذي أجمع عليه المسلمون تنقص (ونوائب الدهر)، لم يستحل ترك خلل في المصحف، ونقص ألفاظ تنقص بها من ثواب القارئ حسنات، ويزول من جهتها معنى أراده الله وقصد له، فترك علي ﴿والعصر﴾ (2) في مصاحف المسلمين على ما لا يعرف غيره، هو الدليل على أن من روى: (والعصر * والنوائب الدهر) كذب أو نسى.
والجهة الثالثة: أن المسلمين أجمعوا على أن هذا هو القرآن الذي أنزله رب العالمين على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا زيادة فيه ولا نقصان، فمن ادعى زيادة أو نقصانا منه فقد أبطل إلا جماع، وبهت الناس ورد ما قد صح عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتزوج تسع من النساء؟
حلال، وفرض الله أياما فصام مع شهر رمضان، فإذا رد جميع هذا الإجماع، كان الإجماع على القرآن أثبت وأوكد، والبناء عليه أولى. وعلي رضي الله عنه داخل في الإجماع غير خارج منه.
وأيضا فقد كان علي يصلي بالمسلمين صلاة المغرب، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيقرأ والناس وراءه يستمعون قراءته. فلو خالف عثمان وأبا بكر وعمر في حرف واحد أو أكثر، لسارع الناس إلى سؤاله عنه، وقبوله منه، وتغييره من المصاحف بمحضر منه، فلما سمعوا قراءته طول خلافته، فلم ينكروا حرفا ولم يغيروا مما سمعوا منه شيئا من المصحف، كان هذا هو الدليل على أن قراءة علي هي قراءة أبي بكر وعمر وعثمان، والحجة واضحة برواية أبي عبد الرحمن السلمي، عنه ما يوافق قراءتنا ولا يخالفها