وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحدهما: أن محمدا صلى الله عليه وسلم ادعى النبوة وظهرت المعجزة على وفق دعواه، وكل من كان كذلك كان رسول الله حقا، فمحمد رسول الله حقا، أما دعواه النبوة فمتواترة أيضا لو يدع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما ظهور المعجزة فلأنه أتى بالقرآن وهذا متواتر أيضا.
وأما أن القرآن معجزة فلأنه تحدى البلغاء، بل الجن والإنس بمعارضته على أبلغ الوجوه فقال: [لئن اجتمعت الإنس ولجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا] (1)، ثم زاد في التحدي فقال:
[فأتوا بعشر سور مثله مفتريات] (2)، ثم بالغ فقال: [فأتوا بسورة من مثله] (3)، وعجزوا عن معارضته وإلا لم يقابلوه، لأنه المعارضة أسهل.
وأما أن كل من أتى بالمعجزة كان صادقا فلا نعلم يقينا أن الله تعالى سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده خارج عن مقدور البشر، فإذا ادعى الرسالة ثم قال: إلهي، إن كنت صادقا في دعواي الرسالة فافلق البحر وشق القمر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ففعل ذلك عقيب سؤاله فعلمنا بالضرورة أنه صدقه في دعواه.
كما أنا نقطع بأن رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق على عادته الفلانية لأجلي، مثل أن يقوم عن سريره أو ينزل عن مركبه فيمشي لأجلي، أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي، فوجد ذلك من الملك دل على صدق مدعي الرسالة.
واعترض عليه بوجوه: أحدهما: لم لا يجوز إظهار المعجزة على يد المتنبئ؟
وأجيب: بأنه لا فائدة فيه إلا تكليف الله الخلق بما يخبرهم الكاذب به، ولا شك أنه تعالى قادر على أن يكلفهم بذلك على يد صادق، فعدوله عن تكليف الخلق على يد رسول من عنده إلى تكليفهم على يد الكذاب خال عن الحكمة بالضرورة.