وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل فإن الله تعالى سخط عليهم بسوء أعمالهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، وأنزل فيهم الكتاب، وجعل منهم القردة والخنازير، وقطعهم في الأرض أمما، وجعل الذين اتبعوا الحق فوقهم إلى يوم القيامة، فبان بهذا أن الذي آتاه الله تعالى من الخير لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم مما أوتيه يعقوب عليه السلام، وكذلك تميز نبينا صلى الله عليه وسلم على يعقوب في محنته، وذلك أن كلا منها ابتلي بفقد ولده.
فأما يعقوب فإنه حزن على فقد يوسف حتى كاد يكون حرضا من الحزن، فإن حزنه كان حزن إيلاف ومضض واشتياق ووجد، بدليل قوله: [يا أسفي على يوسف] (1)، فأصابه بفقد ولد واحد من جملة اثنى عشر ولدا هذا الأسف، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم فجع بوحيده من الدنيا، وقرة عينه في حياته فلم يجزع بل صبر واحتسب، ووفي بصدق الاختيار، مسلما إلى ما سبقت به الأقدار، فقال صلى الله عليه وسلم وإنا عليك يا إبراهيم لمحزنون.
فكان سلوكه صلى الله عليه وسلم في ذلك جميع أحواله منهج الرضا عن الله تعالى، والاستسلام له فيما يقضي ويحكم، ولم يتأسف، بل واستسلم، ففاق صبره صلى الله عليه وسلم على صبر يعقوب عليه السلام، لفضل قوته وعلو مقداره ومكانته صلى الله عليه وسلم.
* * *