الحجة التاسعة لو لم يكن محمدا صلى الله عليه وسلم صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب، فمحمد صادق، [و] (1) بيان الملازمة أن المسيح عليه السلام قال في الإنجيل: ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوما إلا سيعلن.
وهذه نكتة في سياق النفي فتقضي العموم، وإن كل خفي لا بد أن سيظهر بعد صدق محمد صلى الله عليه وسلم في دعواه، إما إن كان ظاهرا أو خفيا، فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبة أو رغبة فبالظاهر دون الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق، فكيف بهذا الجمع الكثير والجم الغفير في أقطار الأرض يختارون ذلك؟ هذا محال.
وإن كان خفيا وجب أن يظهر، لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفصاحتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون، والزيارج (2) والمتطيرون، وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون، وأذكياؤهم كثير لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما يشبه السحر كما هو معروف في أخبارهم، وكفاهم أن ابن المقفع فيلسوف الفرس شهد لهم بالفضيلة على الفرس والروم وسائر الأمم، فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم لو كان باطلا.
فدل على أنهم ما هرعوا إليه مع كونه أول الإسلام كان في نفر قليل مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، فبالاتفاق منا ومنكم، ولو تورعنا في صدقه لما وافقنا، لأنا نحن أحق به منكم.
* * *