وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند الله قالوا: نرى الشرائع من عند الله مشتملة على أشياء لا فائدة فيها، فإن الصلاة والصوم والحج أفعال لا منفعة فيها للمعبود، وهي مصادر متاعب في حق العابد، فكان ذلك عبثا بل سفها، وذلك لا يليق بالحكيم، فوجب أن لا تكون هذه الشرائع من عند الله تعالى، وإنما هي مكر من القدماء.
وأجيب: بمنع أنها خالية عن الحكمة والمنفعة، ولا يلزم من عدم اطلاعكم على الحكمة عدمها.
* * * وأما شبهة اليهود فهي أن موسى عليه السلام لما بلغ شرعه إلى أمته لا يخلو في تبليغه من أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون قد بين أنه دائم، أو بين أنه مؤقت، أو لا هذا ولا هذا.
والثاني باطل، لأنه لو بين أنه منقطع وشرح ذلك لأمته لكان معلوما عندهم على سبيل التواتر، ولو كان نقل متواترا كأصل دينه ولم يمكنهم إخفاؤه، لأن ما علم تواترا لا يمكن إنكاره، ومعلوم أن اليهود متفقون في مشارق الأرض ومغاربها على إنكاره.
والثالث: باطل أيضا، لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يجب بمقتضى شرعة موسى من الأعمال إلا مرة واحدة، لأن مقتضى الأمر المطلق الفعل مرة واحدة لا التكرار.
وبالإجماع هذا باطل، وإذا بين لأمته أن شرعه دائم وجب أن يكون دائما، وإلا لزم نسبته إلى الكذب وزوال البينة عن جميع الشرائع.
وأجيب: بجواز أنه بين أنه منقطع محدود، وكان ذلك معلوما بالتواتر من دينه، إلا أن قومه هلكوا بالكلية في بخت نصر، وصار الباقي أقل من عدد التواتر، ولا جرم انقطع هذا النقيل، وسنقيم الأدلة بالحجج الواضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *