وأما هارون عليه السلام فإن الله تعالى وصفه بفصاحة اللسان فقال: [هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا] (1)، وقد علم أن لغة العرب أفصح اللغات، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ما يعرف من مارس كلامه، أنه أوتي فيها [أعلى] مقام، لم يصل إليه أحد من قبله وقد شارك هارون مع ذلك فيما ناله من بني إسرائيل، فإنه لما خلف موسى عليه السلام فيهم عندما توجه لميقات ربه، افترقوا وتحزبوا ونقضوا العهد، واستضعفوه وهموا بقتله، وعبدوا العجل فلم يقبل توبتهم حتى قتلوا بعضهم بعضا، كما قص الله تعالى ذلك في كتابه العزيز (2)، فلقي نبينا صلى الله عليه وسلم نظير ذلك من بني قريظة والنضير وقينقاع، فإنهم نقضوا العهد وحزبوا الأحزاب، وجمعوا وحشدوا، وأظهروا له العداوة بعد ما هموا بإلقاء الرحي عليه، لما أتاهم يستعين بهم في دية بعض أصحابه، فقام صلى الله عليه وسلم بحربهم، وقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وقسم أموالهم، فكان نظير استضعافهم لهارون استضعافهم للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، حتى لقد قال قائلهم: محمد يخندق على نفسه وأصحابه، ولا يستطيع أحدهم الخروج إلى الغائط، وهو يعدهم بملك كسرى وقيصر، فكان المسلمون كما قال تعالى: [وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر] (3)، حتى أيده الله بجنوده، وجعل العاقبة له على اليهود والأحزاب، كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب (4).
* * *