وأما أن التوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام فاعلم أن توراة اليهود: بيد اليهود نسخة، وبيد السامرية نسخة، وبيد النصارى نسخة، والنسخ الثلاث مختلفة في كثير من الأمور غير متوافقة، وكل فرقة تحيل التحريف على غيرها، فالتغيير لازم، ويظهر عند التأمل أن التوراة التي بأيديهم الآن في مشارق الأرض ومغاربها قد زيد فيها وغيرت ألفاظ منها وبدلت، وليست هي التوراة التي أنزلت على موسى، لأن موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابا وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي.
والدليل على ذلك قوله تعالى: [يحرفون الكلم عن مواضعه] (1)، قيل:
حرفوه بالتبديل، وقيل: بالتأويل، والحق: أنهم حرفوه بالأمرين، ولعل اختلاف العبارتين في قوله: [يحرفون الكلم عن مواضعه] و [من بعد مواضعه] (2) إشارة إلى ذلك، ويشبه أن تحريفه من بعد مواضعه بالتبديل، وعن مواضعه بالتأويل، لأن التبديل أخص التحريفين، ومن بعد مواضعه أخص العبارتين، فيجعل الأخص للأخص عملا بموجب المناسبة.
وقد قال في التوراة: وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى الأئمة من بني لاوي وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت موقوفة عليهم، ولم يبذل موسى عليه السلام من التوراة إلا نصف سورة، وهي التي قال فيها: وكتب موسى هذه السورة وعلمها بني إسرائيل - هذا نص التوراة عندهم.
قال: وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل، فيها: قال الله:
لأن هذه السورة لا تنسي من أفواه أولادهم، وهذه السورة مشتملة على ذم طبائعهم، وأنهم سيخالفون شرائع التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك، ويخرب ديارهم، ويشتتون في البلاد.